شهادات مؤجلة منظمة السلام والحرية فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق”
شهادات مؤجلة
منظمة السلام والحرية
فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق”
قد تبدو عملية بناء أسس السلام والأمن وحقوق الإنسان في العالم عملية شبه مستحيلة في ظل التدهور الحاصل لحقوق الإنسان والحالة الإنسانية، خاصة عندما يتزايد الإحساس بانعدام الأمن وتفاقم المخاوف، وتكثر معاناة أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يغادرون منازلهم وبلادهم بحثاً عن الأمان. لعل هذا المشهد هو الذي نراه أكثر فأكثر في العالم اليوم، ولعل هذا هو الواقع في العراق الذي دفع بمؤسسي منظمة السلام والحرية أن يسلكوا اتجاهاً نوعياً لحماية حقوق الإنسان والدفاع عنها، وأن يتخذوا من بناء السلام نهجاً لتحقيق مجتمع سلمي ديمقراطي ومتنوع يضمن حقوق الإنسان والحريات للجميع، ويعزّز قيم العدالة الاجتماعية والمواطنة واللاعنف ويرفض التطرف بجميع أشكاله.
“من أجل بناء عالم للإنسان من دون خوف، يجب ألا يعترينا الخوف”
ترّكز منظمة السلام والحرية على ثلاثة مجالات ضمن برامجها أوّلها بناء السلام والتماسك الاجتماعي لضمان التعايش السلمي بين المجتمعات المتنوعة، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية بهدف تعزيزها وتسليط الضوء على انتهاكات الحقوق والحريات الفردية والجماعية، بالإضافة إلى العدالة الانتقالية بهدف العمل على حفظ كرامة الأفراد وإنصاف الضحايا.
وسط هذه البرامج رُفع صوت واحد للجان السلام المجتمعي التي أطلقتها المنظمة في سهل نينوى والموصل “نحتاج إلى أن ندافع عن حقوق الإنسان وإلى أن نبادر من أجل تعزيز السلام”.
في أواخر عام ٢٠١٩ أطلقت منظمة السلام والحرية- فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق” تأثراً بشخصية “سيرجيو فييرا دي ميلو” البرازيلي الجنسية الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمدة 34 عاماً في دول نزاعات متعددة كان آخرها العراق، حيث قضى بحادثة تفجير مبنى الأمم المتحدة شرقي بغداد. تجربة رجل السلام ألهمت مجموعة من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في العراق لتشكيل فريق عمل للمنظمة يعمل على مراقبة حالة حقوق الإنسان ويعدّ خطط الاستجابة السريعة للكوارث والأزمات.
تزامنت انطلاقة الفريق مع بداية المظاهرات في العراق في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني المطالبة بالعدالة والشفافية والمساءلة والمساواة في الحقوق والحماية والفرص للجميع.
“نحتاج إلى سلاح المعلومة الدقيقة والصادقة والتفصيلية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات”.
آمن أعضاء فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق” أنهم يحتاجون إلى سلاح المعلومة الدقيقة والصادقة والتفصيلية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات. حرصاً على مهنية الأداء، بادروا إلى تدريب المدافعين/ات على أهمية الإيمان بحقوق الإنسان وتوحيد مفاهيمها وإكسابهم المهارات العلمية والعملية الضرورية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها والإبلاغ عنها.
مهندسو خطط الرصد في “الفريق” لم يساورهم أي تردد بشأن توثيق المظاهرات “لن نترك التزامنا بالدفاع عن حقوق الإنسان ينحرف عن مساره، إذا تعرضّت هذه الحقوق للانتهاك وتجاهلنا ذلك، فإن هذه الحقوق سوف تتلاشى وتموت…. وإذا حصل ذلك، سيدفع الناس ثمناً باهظاً”. نظموا أنفسهم كفرق عمل ميدانية، رصدوا الأحداث بدقة أثناء التظاهرات، جمعوا شهادات الضحايا والشهود، تعاونوا مع العديد من الناشطين والمدافعين وعدد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية بما فيها مكتب حقوق الإنسان ببعثة يونامي UNAMI التابعة للأمم المتحدة.
“شعرنا في داخلنا بنداء الواجب تجاه الكرامة الإنسانية وركزنا طاقتنا على العمل”
خلال سنة واحدة أصدر فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق” أربعة تقارير نوعية عن حالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء التظاهرات في العراق 2019-2020 مستنداً إلى المعايير والصكوك الدولية والوطنية ذات الصلة في حرية التجمع السلمي. لاقت هذه التقارير اهتماما دولياً ووطنياً وتُرجم بعضها إلى 4 لغات العربية والكردية والانكليزية والاسبانية.
“نؤمن بأن التضامن مسؤولية إنسانية”
لم تنتهِ الأزمات المتتالية في العراق، ومع تفشي جائحة الكورونا كانت أولوية الفريق مساعدة الناس التي افتقرت للحماية في ظل النقص الحادّ في المستلزمات الطبية ومعدات الفحص والوقاية. كان الفريق يدرك مدى “هشاشة نظام الرعاية الصحية” في العراق بعد سنوات طويلة من الصراعات وقلة الاستثمار في هذا المجال، فضلاً عن ما يزيد عن مليون ومائتي ألف مواطن ما زالوا يرزحون تحت النزوح في مخيمات رسمية وغير رسمية، يتعذّر فيها تطبيق التباعد الاجتماعي.
عدوى التطوع أقوى وأسرع من عدوى كورونا
عند النظر إلى المستقبل، أدرك أصحاب الرسالة الإنسانية “أن القيم التي نتشاركها عن حقوق الإنسان تجمعنا ببعضنا البعض وتحملّنا واجب إنسانيتنا المشتركة” وحددّوا وجهتهم: “العمل التطوعي”. كانت هذه الجهود الوجه المشرق في مواجهة الجائحة. تصدوا لها بعقولٍ مفكرة، وضعوا هدفاً محدداً وحددوا نقطة للوصول، تطوع معهم عشرات الطلاب من المجموعات الطبية وأضافوا خبرات جديدة تواكب التدخل المباشر في المناطق المعزولة نتيجة تفشي الفيروس.
متحصنّين بالنشاط ومفعمين بالأمل، اتخذّ أعضاء الفريق أقصى درجات احتياجاتهم الوقائية، وقفوا في الصفوف الأمامية وخاضوا معركة طاحنة في مواجهة الجائحة. عمل الفريق بشكل مباشر في 7 محافظات عراقية ضمن 21 موقعاً من بينها خمسة مواقع معزولة بالكامل بعد أن فرض الجيش حولها طوقاً عسكرياً كاملاً وهي: ناحية الهلال التابعة لقضاء الرميثة في محافظة المثنى جنوب غرب العراق، والسادة ال فريحة التابعة لقضاء المشخاب في محافظة النجف بالفرات الاوسط، وبالخورة في قضاء الهارثة التابع لمحافظة البصرة أقصى جنوب العراق ومنطقة خان اللوالوة في قضاء بعقوبة المركز التابعة لمحافظة ديالى شرق العراق والقطاع 45 و 47 في مدينة الصدر شرق بغداد.
أتم الفريق التطوعي تعقيم وتطهير ردهة الأمراض الوبائية وردهة الامراض الانتقالية في مستشفى الكرخ وسط بغداد بالإضافة الى مستشفى حي ميسان وسط محافظة البصرة حيث تمت إعادتها للعمل بعد تفشي الوباء فيها. وصل الفريق التطوعي إلى دار إصلاح الاحداث الجانحين والبيت الآمن للنساء ودار كبار السن ومخيم الرسالة ومجموعة من دور العبادة الاسلامية والمسيحية في محافظات بغداد والانبار غرب العراق. جال أعضاء الفريق بين المخيمات وقدموا المعلومات والنصائح للسكان من أجل البقاء في مأمن من الخطر.
“كان فريق سيرجيو دي ميلو نقطة مضيئة وسط الظلام شعرنا هناك قوة تقف بجوارنا وتحمينا”
مواطن في البصرة قضاء الحيانية |
تذكرنا الكورونا أن العالم هو وطن للجميع، نتشارك فيه المصير ذاته.
تغلّب الفريق على نقص الموارد من خلال بناء الشراكات مع عدد من المنظمات بينها مؤسسة المدخل الصحي في ناحية الهلال محافظة المثنى وجمعية الفردوس العراقية في الخورة قضاء الهارثة محافظة البصرة وجمعية نساء بغداد التي قدمت الموارد إلى الفريق في محافظة ديالى ومدينة الصدر.
في هذه الاستجابة لجائحة كورونا، سجل الفريق قصصاً إنسانية أثناء مواجهة تفشي الفيروس تجسدت في روح التعاون والعمل الإنساني، وبصوت واحد ردّد أعضاء الفريق ” تذكرّنا كورونا أن العالم هو وطن للجميع، نتشارك فيه المصير ذاته”.
الدفاع عن حقوق الإنسان هوية وإيمان
يصمم الفريق المتطوع مواصلة عمله: “نشعر بأننا نمتلك حافزاً داخلياً وهدفاً سامياً، سنتابع عملنا، ولن نكتفي بما نفعل حتى نفارق الحياة“.
إن الاستماع إلى تجارب فريق “سيرجيو دي ميلو في العراق” يغيّر نظرتنا ويجعلنا ندرك ونعترف أننا علينا أن نتضامن جميعاً في تحقيق الكرامة الإنسانية، وندرك أن ما نتشاركه أكثر مما يفرقنا.
ساهمت المبادرة التي أطلقتها منظمة السلام والحرية في التأكيد على أن الدفاع عن حقوق الإنسان هو هوية وإيمان. وان العامل الزمني والموارد المحدودة لا يمكن أن تحول دون الواجب في تحمل مسؤولية التضامن الإنساني. أكدت هذه المبادرة أن نجاح العمل يحتاج إلى تكتيكات تزيد من وعي الأفراد على أهمية العمل التطوعي المؤمن بحقوق الإنسان والدفاع عنها والتصدي لانتهاكاتها.