حرية التجمع والتعبير عن الرأي في العراق: دراسة لعشرين عام من التغيير
| GCHR
حرية التجمع والتعبير عن الرأي في العراق
دراسة لعشرين عام من التغيير
المرصد العراقي لحقوق الإنسان
أكتوبر2022
مقدمة
كتبت هذه الدراسة في فترة زمنية صعبة يمرّ بها العراق في ظل الانسداد السياسي وعجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة بعد مرور أكثر من عام على إجراء الانتخابات التشريعية في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفي ظل الهجمات الإعلامية المستمرة والدعاوى القضائية ضد النشطاء في المجتمع المدني والصحافيين والشيطنة المستمرة للمنظمات غير الحكومية.
أجرى الباحث في المرصد العراقي لحقوق الإنسان مجموعة نشاطات لكتابة هذه الرسالة، منها عقد اجتماعين مع منظمتين عراقيتين وعقد جلستين (فوكس كروب) مع باحثين ومختصين وعاملين في المنظمات غير الحكومية لتقديم رؤية واضحة وموضوعية عن واقع حرية الرأي والتعبير عنه في العراق بالإضافة إلى عمل المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل عام.
أجريت المقابلات وكذلك مجموعات التركيز عبر الإنترنت في محاولة لكسب الوقت وللوصول إلى الأشخاص المتوزعين على مناطق متعددة من العراق. إن هذه الدراسة ليست الأولى وليست الوحيدة، لكنها تعطي انطباعاً واضحاً وموضوعياً عن حرية التعبير في البلاد وعمل المنظمات غير الحكومية والتحديات التي تواجهها، خاصة منذ اندلاع احتجاجات تشرين في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي خلّفت المئات من القتلى والجرحى والمغيبين.
إن هذه الدراسة لم تُغيب واقع التشريعات العراقية على مدى الـ 100 عام الماضية، أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، بل تطرقت لها ولظروفها، في محاولة لفهم الخلفية التاريخية القريبة التي مرّت مروراً ليس بالسهل بأحداث وتطورات وتغيرات كبيرة.
ركزت الدراسة على ضرورة أن يتحول الفهم الخاطئ لدى عدد ليس بالقليل من السياسيين العراقيين بأن المجتمع المدني “يلعب دوراً تدميرياً” إلى فهم وإيمان بأن هذا المجتمع قادر على أن يكون شريكاً حقيقياً للدولة، وقادر على تقويم المسارات الخاطئة.
إن المجتمع المدني ليس مساحة عمل للترف أو لتحقيق الشهرة، ولا مكاناً للكسب المالي مثلما روّج سياسيون عراقيون خلال السنوات الماضية، بل هو مساحة عمل تطوعية جاءت من إيمان لدى العاملين فيه بضرورة أن يكونوا جزءاً من عملية بناء المجتمعات وتحقيق الرفاهية للمواطنين.
حاولت هذه الدراسة إبراز دور المنظمات غير الحكومية في الدفاع عن الحقوق والحريات ومواجهة مجموعات الضغط السياسية التي تسعى إلى تشريع قوانين تقيد الحريات وتقوض حركة المجتمع في التجمعات وفي توحيد جهودهم لمواجهة أي مساع لسلب الحقوق أو استخدام موارد الدولة بطرق غير مشروعة لصالح فئة سياسية معينة، أو حتى غير سياسية.
أجرى هذا البحث حسام فلاح ، وهو ناشط ومدافع عن حقوق الإنسان وعضو المرصد العراقي لحقوق الإنسان كجزء من حملة “كلنا مع بعض، نقدر” التي تسلط الضوء على الدور الايجابي الذي لعبه المجتمع المدني في الدفاع عن الحقوق والحريات مع إبراز أهمية المجتمع المدني كمنصة يمكن للأفراد من خلالها التعبير عن آرائهم ومطالبهم. كانت الحملة ضمن المشروع المشترك لشبكة الابتكار للتغيير -الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومركز الخليج لحقوق الانسان، بالشراكة معرالمرصد العراقي لحقوق الإنسان. لمزيد من المعلومات، الرجاء بزيارة: https://actogether.org/ar
مدخل
التجمع السلمي هو حق من حقوق الإنسان، فتعريف [1]الأمم المتحدة ينص على: “أن لكلِّ فرد الحق في حرِّية التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات، وهذا الحقّ مكوّن أساسيّ للديمقراطية. ويشمل الحق في التجمع السلمي الحق في عقد الاجتماعات والاعتصامات والإضرابات والتجمعات والفعاليات والاحتجاجات، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية. ويشمل الحق في حرية تكوين الجمعيات حق الأفراد في التفاعل والتنظيم في ما بينهم للتعبير الجماعي عن المصالح المشتركة وتعزيزها والسعي إلى تحقيقها والدفاع عنها. ويشمل أيضاً الحق في تشكيل نقابات عمالية. وتشكّل حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات أداة لممارسة العديد من الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون الدولي، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والمشاركة في إدارة الشؤون العامة. وتحمي المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.
تعكس التشريعات الوطنية لأي بلد، مدى التزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات التي وقع عليها، خاصة تلك المتعلقة بالحقوق والحريات. وتعتبر هذه التشريعات انعكاس واضح لمواد وفقرات الأسس الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والعهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
شهد العقد الأخير نشاطاً[2] متزايداً وبروزاً كبيراً لحرية التجمع في منطقة الشرق الأوسط، تحديداً العراق، وما زالت هذه التجمعات مستمرة حتى لحظة كتابة هذه المقدمة، وما يحدث[3] في إيران حالياً والعراق ولبنان وقبله في سوريا ومصر والبحرين، يعطي مؤشراً بأن التجمعات، خاصة الاحتجاجية منها، صارت ركناً أساسياً بالنسبة للمجتمعات للتعبير عن آرائها.
يعتبر العراق ومنذ نحو عقدين من الزمن من البلدان الديموقراطية التي انتقلت إلى مرحلة جديدة بعد عقدين ونصف العقد تقريباً من الديكتاتورية والشمولية التي فرضت قيوداً على تأسيس الأحزاب والجمعيات والمنظمات غير الحكومية وأنهت دور النقابات وكل مؤسسات المجتمع المدني.
حرص مؤسسو النظام الجديد الذي أسس عام 2003 أي بعد سقوط نظام حزب البعث الشمولي، وبضغط من المجتمع الدولي على أن يكون للمجتمع المدني دوراً في “العراق الجديد” فكفلوا حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في المادة [4](38) من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، وعلى أساس ذلك فُعل دور النقابات وأسست المنظمات غير الحكومية.
أسست في العراق خلال الـ 20 عاماً الماضية [5]5000 منظمة غير حكومية، ونشطت هذه المنظمات في مجالات متعددة: حقوق الإنسان – الإغاثة الإنسانية – التعليم – الإعلام – الاقتصاد – الحريات الصحافية – المرأة – الطفل إلخ، وصار لبعضها صوتٌ كبيرٌ.
لعبت هذه المنظمات دوراً كبيراً في التجمعات السلمية والتظاهرات والاعتصامات في البلاد ضد الفساد وضد المحاصصة السياسية وضد انتهاكات حقوق الإنسان، وقدمت مجموعة منها تقارير[6] مستمرة للمنظمات الدولية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في العراق.
شهد العراق منذ عام 2008 أي بعد خمس سنوات على التغيير وحتى اليوم، حراكاً احتجاجياً كبيراً في سنوات 2008، 2011، 2015، 2018، 2019. أدى الحراك الأخير في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى إسقاط[7] حكومة عادل عبد المهدي بعد عام على تشكيلها.
لكن هذا الحراك الاحتجاجي لطالما جوبه بالعُنف والشيطنة التخوين، وقتل 560[8]متظاهراً وناشطاً خلال هذه الفترات، رغم أن الاحتجاجات كانت سلمية ولم تحمل السلاح ضد مؤسسات الدولة.
ورغم ذلك كله، استمر النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان في دفاعهم عن قضايا المجتمع والضغط على السلطات لمحاربة الفاسدين وحصر السلاح بيد الدولة وإبعاد الخلافات السياسية عن مؤسسات الدولة ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
لطالما اتهمت بعض المنظمات غير الحكومية بأنها تتبع أجندات خارجية وتسعى إلى فوضى في البلاد، وهي محاولات كانت تريد من خلالها قوى السلطة والنفوذ شيطنة دور هذه المنظمات وإضعافها وتشويه سمعتها أمام المجتمع، والحال انطبق كذلك على الحركات الاحتجاجية والتجمعات السلمية.
يمكن تحميل التقرير من الرابط التالي:
[1] موقع الأمم المتحدة، المقرر الخاص بحق.
[2] مركز الجزيرة للدراسات: الثورات الملونة والربيع العربي.. حقيقة الصراع الجيوسياسي بين أميركا وروسيا في المنطقة.
[3] هيئة الإذاعة البريطانية BBC: مظاهرات إيران.
[4] الدستور العراقي النافذ لسنة 2005.
[5] مقابلة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان مع مسؤول حكومي.
[6] تقرير المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن الانتهاكات التي تلحق بالصحافيين.
[7] هيئة الإذاعة البريطانية BBC.. مظاهرات العراق: استقالة عبد المهدي بداية إصلاح أم حرب أهلية.
[8] تصريحات هشام داود مستشار رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في 30-7-2020.