حميدان: صورة “البحرين” في السجن
حميدان: صورة “البحرين” في السجن
المصور الذي وثق اللحظة الكبرى، في السجن انتقاماً
كانت الصورة هي رصاصة المتظاهرين في دوار اللؤلؤة. كانت تصنع الرموز وتلاحقهم ليعبّروا عن حرياتهم المقموعة. كانت العدسة تلتقط صور النصب والجدران والأمان والشخصيات والأحداث والقمع والرصاص حتى تحولت هذه الأحداث إلى صور وتاريخ لا يمكن محوه.
حميدان… المصور المبدع
كان للمصور أحمد حميدان البصمة الأبرز في هذه الذاكرة والتأريخ. كانت عدسته تصطاد كل حدث أو شعار كي لا يموت. في النهاية اصطادته أيدي سلطات البحرين. ففي بلدٍ يضع المبدعين خلف القضبان، يقبع المصور أحمد حميدان في السجون البحرينية الحاصل على 163 جائزة دولية بـ 29 صورة على المستوى العالمي من خلال مسابقات معترف بها من الاتحاد الدولي لفن التصوير (FIAP) والجمعية الأميركية للتصوير. ويحتل المركز الثاني على مستوى الخليج من حيث عدد الجوائز، في حين تم الحكم عليه في بلده بقضايا أمنية منذ اعتقاله في 28 ديسمبر 2012م.
لا يمكن أن تصدق أن المصور “المبدع” هو اليوم معتقل في وقت تتهافت عليه الدول لتكريمه وإعطاءه الجوائز الفنية. هذه الجوائز لم تقف بعد محاكمته وسجنه بل تعدت لتصل إلى فوزه بجائزتين في معرض دولي للصور الفوتوغرافي في صربيا، وقد حصد حميدان الميدالية الذهبية من الجمعية الأمريكية للتصوير في مسابقةman & work، بالإضافة إلى الميدالية البرونزية “سالون” في المسابقة نفسها وذلك على خلفية مشاركة صور له من الاحتجاجات.
رحلة الاعتقال:
أن تحمل كاميرتك وتلتقط الصور هذا يعني أنك مجرم ويجب محاكمتك. ففي التفاصيل داهمت الشرطة منزل حميدان مرات عدة خلال ستة أشهر بحثاً عنه، وهو المتهم في قضية الهجوم على مركز شرطة في منطقة سترة في شرق البحرين، فضلاً عن اتهامه بالتعدي على أفراد الأمن. ولكن أهله ينفون الاتهامات، وبالنسبة إليهم فإن السلطات تستهدف ابنهم أحمد حميدان لأنه مصور صحافي فقط. وبعد أشهر من تعرضه لمضايقات مستمرة قبل اعتقاله على أيدي رجال الشرطة، اقتاده 15 ضابطاً بالزي المدني إلى أحد مراكز الاعتقال بالقوة مكبل اليدين ومعصوب العينين، حيث تعرض للاستنطاق على مدى يومين، قبل أن يُعزل في حجز انفرادي تام طيلة الأيام الخمسة التالية. وكان ذلك في 29 كانون الثاني/ ديسمبر 2012 إذ تم اعتقاله إلى جانب 30 آخرين، بتهمة مشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة البحرينية. وكان حميدان يتواجد في مكان الاحتجاجات بهدف توثيق هجوم الشرطة البحرينية على المتظاهرين، كجزء من تغطيته للحراك الذي اندلع في البحرين منذ شباط/فبراير 2011.
بعد “اختطافه” بعام، عقدت جلسات المحاكمة وكانت جلستها الافتتاحية في 12 فبراير/ شباط 2013، أصدرت محكمة بحرينية، 26 مارس/آذار 2014، حكماً يقضي بسجن حميدان، عشر سنوات، في قضية “الإعتداء على مركز سترة”. كما حكمت المحكمة على 27 آخرين بالسجن بين ثلاث وعشر سنوات، بتهمة مهاجمة مركز الشرطة في منطقة سترة والتخريب خلال الاحتجاجات في البحرين.
شجب وتنديد
وبُعيد الإعلان عن الحكم، توالت ردود أفعال المنظمات العالمية والمحلية الداعمة للصحافيين. إذ شجبت “مراسلون بلا حدود” بشدة إدانة أحمد حميدان بالسجن 10 سنوات إثر الحكم الصادر في حقه “بعدما تُوبع رسمياً بتهمة مهاجمة مقر للشرطة في جزيرة سترة يوم 8 أبريل/نيسان، حيث كان يُصور الفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن هناك”.
وأما رابطة الصحافة البحرينية فقد أدانت الحكم الصادر عن المحكمة الكبرى، واعتبرت أن “الحكم الصادر بحق حميدان يمثل سقطة جديدة تضاف إلى سقطات المؤسسة القضائية في البحرين، حيث أخفقت هذه المؤسسة، ولا تزال، في تأمين المحاكمات العادلة للمعتقلين من الإعلاميين، أو في محاسبة أولئك المتورطين في قضايا القتل والتعذيب التي يتعرض لها الإعلاميون والمصورون ونشطاء الرأي”. من جهتها، دانت “اللجنة الدولية لحماية الصحافيين” الحكم واعتبرت أنه “يمثل محاولة من جانب السلطات البحرينية لفرض رقابة على الأصوات المستقلة والمنشقّة”.
سلاح الأمن.. التعذيب
خلف قضبان السجن، عانى حميدان من التعذيب الممنهج في السجون البحرينية. إذ قالت عائلة المصور المعتقل أحمد حميدان إنها تمكنت من زيارته في 5 مايو/ أيار 2015، وذلك بعد نحو الشهر والنصف من انقطاع الاتصال به. وأفادت العائلة بأن ابنهم أحمد تحدث عن تعرضه إلى التعذيب الجسدي والنفسي على خلفية الأحداث التي وقعت في سجن “جو” المركزي بتاريخ 16 مارس/ آذار. ولا يخفى على المراقبين الحقوقيين للأوضاع في السجون البحرينية أن السلطات الأمنية تمارس التعذيب لقمع أفكار وآراء المعتقلين.
من المؤشرات التي تدل على مساحة الحرية في دولة ما هي مدى تفعيل الصحافة والفضاء الإعلامي، فكلما كان هذا الفضاء أوسع كلما عبّرت الدولة عن احترامها لحرية التعبير والرأي. لكن الوضع مختلف في البحرين، إذ يقبع الصحافيون والمصورون خلف القضبان لمجرد تغطيتهم الحدث وبتهم ترقى إلى الإرهاب.
