صانعة الأمل: الدكتورة نغم نوزت حسن – العراق

|

صانعة الأمل 

طبيبة الناجيات من جرائم داعش

الدكتورة نغم نوزت حسن 

نوبات قلق، اكتئاب حاد، حالات صحية حرجة، ذلك هو وضع النساء ضحايا داعش في العراق وفق مشاهدات د. نغم “طبيبة الناجيات من جرائم داعش”.

الأيام المظلمة …. ورحلة الموت

الدكتورة نغم نوزت حسن طبيبة إيزيدية وناشطة في حقوق الإنسان، ولدت في بعشيقة ١٤/٧/١٩٧٧.  انتقلت مع عائلتها إلى عدة أماكن أثناء طفولتها، كانت سعيدة ولديها الكثير من الطموحات منها أن تصبح طبيبة.

“كنت اود هذه المهنة منذ طفولتي لأنني كنت ارى فيها معنى الانسانية الكاملة …. كيف يقوم الطبيب بإنقاذ حياة الناس ويرجع الحياة والأمل والبسمة للكثير من الناس. عملت جاهدة بكل طاقاتي لكي احقق امنيتي واستطعت أن أحقق حلمي”.

 دخلت نغم كلية الطب في جامعة الموصل وتخرجت سنة ٢٠٠٢ وعملت في العديد من المستشفيات في العراق. تطوعت في عدد من المنظمات المحلية لدعم المرأة والطفل وتعزيز المساواة للنساء وتوفير الدعم النفسي لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.

لم تكن الدكتورة نغم تعتقد أنه سيأتي يوم في القرن الحادي والعشرين تباع فيه امرأة في سوق النخاسة، ثم تُغتصب عشرات المرات. لم تكن تتصور يوماً أن يُرفع الشال عن رأس امرأة ايزيدية لتعبر أمام ثلاثين أو أربعين “داعشياً” ليختارها أحدهم ويأخذها لساعات وربما لأيام ثم يرسلها أو يقرضها الى صديق آخر أو يتاجر بها في المزاد العلني. لم تتخيل يوماً أن تكون الشاهدة المداوية للعديد من النساء اللواتي تعرضن للسجن والتعذيب والاغتصاب الممنهج ومن ضمنهم فتيات لم يبلغن مرحلة المراهقة.

لم تكن تتهيأ في أي حال من الأحوال للأيام المظلمة التي عاشتها عندما قامت عصابات داعش في ٣/٨/٢٠١٤ باحتلال منطقة سنجار التي يسكنها غالبية أبناء الديانة الايزيدية وجميع القرى التابعة لها. ارتكبوا ابشع الجرائم بحق الايزيديين حيث عزلوا الرجال عن النساء والأطفال وقاموا بإعدام اكثر من 6000 شخص لانهم رفضوا تغيير الدين وخطف وسبي اكثر من 6500 امرأة وطفل بعد أن مورست بحقهم أبشع عمليات التعذيب والاغتصاب.  نزح 450,000 من الأهالي الى إقليم كردستان شمال العراق، واجهوا خطر الجوع والعطش والطقس الحار، وخطر المسلحين من التنظيم الذين أطلقوا النار على النساء والأطفال، أو نحروهم بعد أن حدد داعش أنهن قد تجاوزن سن الإنجاب، في حين ألقي القبض على النساء الشابات والفتيات بينهن.

نزحت عائلة د. نغم كما العائلات الايزيدية الأخرى عبر الحدود، إلى مدينة دهوك الواقعة في إقليم كردستان شمال العراق.

 

“لم اصدق ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم حيث كنت أتنقل بين الشوارع والهياكل كي أقدم لهم ما باستطاعتي من المساعدة والعلاج لبعض المرضى، خاصة الأطفال والمصابين بالجفاف ونقص الغذاء وغيرها من الإسعافات الأولية وإحالة بعض الحالات الى المستشفيات في دهوك، كان عملا شاقاً جدا.

 

الفضاء الآمن…. لم أكن أظن أنني سأعمل في هذا المجال لسنوات.

أدّت هذه الظروف إلى تغيير جذري في حياة نغم.  خاضت الطبيبة النسائية معركة من نوع خاص ضد تنظيم “داعش”، كرسّت حياتها العائلية والاجتماعية وعملها لتقديم الدعم النفسي وتضميد الجراح النفسية والمعاينة الطبية للفتيات والنساء اللواتي هربن من وحشية عناصر التنظيم المتطرف.

 

 

 

زارت مخيمات النازحين لتقنع الآباء والامهات المرعوبين كي يسمحوا لبناتهم بتلقي المشورة والعلاج.  كانت تخرج من خيمة لتدخل أخرى وسط المخيمات في دهوك، ثم انتقلت لتسكن قرب المخيم وتستقر هناك في ما بعد، لتصبح الملجأ الآمن في عيون كل ناجية.

“عملت على زرع الثقة بيني وبينهم وكوني من  الطائفة  الإيزيدية  نفسها كان له دور كبير بصراحة (…) ساعدني على كسب ثقة الناجيات”.

 

 

بدا واضحاً بأن احتياجات الناجيات كانت أبعد من العلاج الجسدي، ورغم أن معظمهن تعرضن للعدوى المنقولة جنسياً نتيجة للاغتصاب مرات عديدة، إلا أن الناحية النفسية عندهن كانت سيئة للغاية.

كل يوم  كانت تصلني الأخبار بأن هناك نساء وفتيات استطاعوا الهروب  كنت أتنقل بين المدارس والهياكل في مدينة دهوك حيث كان يتواجد النازحين”.

ومنذ ذلك الحين عملت نغم في عدة برامج لدعم الناجيات منها تقديم الدعم الطبي لهن مع دائرة الصحة في دهوك بدعم من ال UNFPA وحكومة الإقليم. كرسّت نغم ساعات يومها كلها لدعم الناجيات، أنشأت منظمة غير حكومية لهذه الغاية تحمل اسم Hope Makers for Women (صانعو الأمل للنساء)، ولتوفير الدعم الطبي والنفسي للناجيات اللواتي يعشن في مخيمات أقيمت لإيواء النازحين من الأيزيديين.

في شهر مارس/آذار من عام ٢٠١٥ قررت الحكومة الألمانية نقل ألف ضحية من المتضررين من داعش الى المانيا لغرض العلاج النفسي. عملت نغم كطبيبة للبرنامج وزارت بعض الحالات في المانيا لتطلع على أوضاعهم ومعاناتهم. 

 

خلف حاجز الخوف ….. قصص الرعب 

نجحت نغم في كسب الثقة وكسرت حاجز الخوف. خلف ذلك الحاجز، استمعت إلى  قصص رعب مروعّة. هول ما شاهدته وعايشته من آثار جرائم التنظيم فاقت تصورها. قصصٌ تدمي القلوب وتحمل فصولاً مختلفة من المعاناة.

“بشاعة قصص معاناة الناجيات سيطرت على مشاعري وكأنني أصبحت إنسانة عاشت المأساة كل لحظة….”

 

فتاة صغيرة اغتصبها مقاتلو التنظيم 22 مرة، ولم تكن تبلغ من العمر إلا ثماني سنوات حين تم اختطافها. 

عاينت دكتوره نغم ألفاً ومئتي ناجية لكنها دائما ما تتذكر القصة الأكثر تأثيراً في حياتها. هي قصة امرأة عادية خُطفت بعد ثلاثة أشهر من زواجها، ثم تم بيعها أكثر من خمسة عشر مرة من قبل عناصر التنظيم، وعندما حاولت الفرار مع صديقتها كُشف أمرها وقُطع رأس صديقتها أمام عينيها قبل ان تفلت من ايديهم. نساء بيعت بثمن سيجارة، تعرضن للضرب والحرق والتعذيب بالكهرباء من قبل المقاتلين وزوجاتهم.  وأخريات تمت إهانتهن بالألفاظ السيئة وتعرية أجسادهن وتصويرهن ونشر صورهن على شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارهن جاريات وخادمات. لم يكن يُسمح لهن بتناول الطعام لساعات طويلة. 

بين سكان المخيم ليلى التي خطفها جهاديون مع ابنتها البالغة من العمر 12 عاما (آنذاك). بلغت الفتاة الخامسة عشرة. وتروي والدتها “أنها كانت غير قادرة على الكلام، وتبكي كل الوقت”. لكن، بعد متابعتها من د. نغم، تمكنت الفتاة من مسح دموعها والعودة إلى مقاعد الدراسة.

 

 

مع نهاية كل يوم تجلس نغم توثّق القصص المروعة التي سمعتها من النساء الأيزيديات اللواتي تعرضن للاختطاف من منازلهن على أيدي تنظيم ”داعش“ في شمال العراق، ثم استطعن الفرار.

“خلال تجربتي العلاجية مع الناجيات وجدت الشجاعة والإصرار عندهن للعودة الى والاندماج في المجتمع وكنت استمد صبري وقوتي وشجاعتي منهن“.

 

في الصفوف الأمامية.

منذ عام 2014 أصبحت حياتها العملية مكرّسة لمساعدة هؤلاء النساء على التعافي من محنتهن، وقد ساعدت أكثر من ألف ومئتي ناجية، مدونة عدداً لا يحصى من شهاداتهن وتوفير العلاج لهن.

”لدي أكثر من 200 قصة مكتوبة. أشعر أنه من واجبي تسجيل ذلك من أجل التاريخ“.

 

حصلت على عدة جوائز عالمية منها جائزة المرأة الشجاعة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في ٢٩/٣/٢٠١٦، وهي جائزة دولية تُمنح للنساء اللواتي يملكن قدرات استثنائية من جميع أنحاء العالم، وجائزة من منظمة silver rose في بلجيكا في ١٤/٦/٢٠١٦. لقبت “بطبيبة حقوق الإنسان” وكُرمّت من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان لأنها ساهمت في تعزيز قدرات الطب للكشف على جرائم الانتهاكات وتحويل “التروما” إلى أدلة موثقة.

كما نالت الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان ودولة القانون في العام 2020.

 

 

كتبت اليها نادية مراد الايزيدية التي هربت من تنظيم داعش والحائزة على جائزة نوبل للسلام عبارة في بداية كتابها تقول ” كل واحد منا قاتل داعش بما أمكنه، ولكن انت كان لديك السلاح الاقوى: معالجتنا”.

 

 


العراقالعنصر المحدد