علي عبد الإمام – البحرين

|

علي عبد الإمام

البحرين

 

 

لم يكن علي عبد الإمام المدافع عن حقوق الإنسان والمدوّن، يعلم أنه في الوقت الذي لم يكن أحد يعرف فيه معنى “منتدى افتراضي” سيكون “ملتقى البحرين” (بحرين أون لاين) الذي أسسه عام 2001 الحدث الأبرز ليس في عالم التقنية وحسب إنما  في عالم السياسة والمحرّك الأول لثورة 14 فبراير 2011.

انتمى إلى جيل عايش التغيرّات الدراماتيكية في بلده سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو التقنية، جيل تأثر بالحرب العراقية الايرانية وحرب العراق الأولى وتحرير الكويت التي سبّبت تغييرات سياسية وجيوسياسية في المنطقة. انتمى إلى جيل عايش بداية الانترنت وشهد على أثر التغيير الذي عكسه في المجتمع. عاش علي في البحرين، الدولة التي كانت  تحمل دائماً صراعات سياسية محلية بين عائلة تريد ان تتحكم بالثروة والمال وجماعات سياسية ترفض ذلك على مختلف اتجاهاتها السياسية والليبرالية والقومية. نشأ علي ولديه اثنين من أبناء عمه معتقلين. هذه النشأة ركزّت في داخله وجود مشكلة حتى لو لم يكن لديه الوعي الكافي لمعرفة أبعادها.

“ملتقى البحرين (بحرين أون لاين)”… من فكرة إلى ثورة

في عام 1998 بدأ التحول الكبير في حياة علي على مستوى نشاطه الإلكتروني. أسس “ملتقى البحرين (بحرين أون لاين) وهو أول ملتقى على شبكة الإنترنت يبصر النور عام 1999. حين سجل أول خمسة أعضاء في الملتقى شعر علي بالخوف، لأن القانون يسمح للسلطات بالاعتقال لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد دون تحقيق ودون توجيه تهم فقط إذا اعتقدت بتهديد للأمن القومي. يعلم علي أن هذه القوانين تفسح المجال أمام السلطة للقيام بأي شيء بما في ذلك التلاعب بتغريدة لتصبح جريمة جنائية.

شكّل الملتقى قفزة نوعية في النشاط السياسي الإلكتروني وفتح الباب أمام الناس للتعبير عن قضايا حقوق الإنسان ومناقشة السياسة وقضايا حقوق الإنسان، وأصبح فيما بعد أكثر منتدى سياسي فاعل وناشط، رغم حجبه من قبل السلطات منذ أكثر من 9 سنوات. استطاع الملتقى أن يشكل فسحة واسعة بحيث انطلقت منه عدة نقاشات وبيانات ونشاطات وفعاليات. 

عدد المقالات التي نُشرت وصلت إلى مليون ونصف مقال. عدد الزيارات اليومية بلغت حوالي 150 ألف وفي أيام الأحداث المهمة كالتظاهر أو سقوط ضحايا كانت تصل الى 300 الف شخص يوميا. زيارات الموقع بشكل اساسي كانت من البحرين والسعودية والإمارات والكويت والعراق ولندن وامريكا ايضا ومن كل دول العالم.

 

حقوق عالمية، وحوار، وثقافة اختلاف 

كان الملتقى مجتمعاً كاملاً، نشط فيه كثير من المدافعين والصحفيين والسياسيين والكتّاب والناشطين والمثقفين والمواطنين. عمل الملتقى على نشر الثقافة الحقوقية والسياسية في البلد، وسجّل زيارات بما يفوق مئة وخمسين ألف زائراً 150,000 يومياً في مجتمع صغير في البحرين لا يتجاوز عدد سكانها في ذلك الوقت 700 ألف شخص. بيّن الملتقى للناس حقوقهم الأساسية التي تضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وشرح لهم أهمية العمل على تأسيس دولة مدنية تحترم مكونّات الحكم الرشيد. ضم الملتقى تيارات سياسية مختلفة وفتح المجال للحوار والتفاعل الحر، مما عزّز بشكل أساسي ثقافة الاختلاف.  نجح الملتقى في نشر الوعي الثقافي والحقوقي في الوقت الذي لم تنجح فيه أي منصة أو وسيلة أخرى، وسُجّل له أن أحد الوزراء، تم سؤاله في اجتماع “ألا تقرأ الصحف”، أجاب “لا، أنا اقرأ ملتقى بحرين اون لاين” وهذا يعني مستوى المصداقية الذي وصل اليه الملتقى.

اعتقل عبد الإمام في آذار (مارس) 2005 للمرة الأولى بتهمة “التحريض على كراهية الحكومة”. ورغم تعرّضه لوحشية قاتلة وتعذيب مميت، حمل في اليوم التالي لخروجه من الاعتقال لافتة كتب عليها: «هكذا تنتهك حرية التعبير في البحرين»، وذلك في أول اعتصام شهدته البحرين أمام وزارة الإعلام.

 

لقد شهدت على وحشية السلطة في صناديق جهاز الأمن…. تعذبت وشعرت بعطش كبير

 

ملتقى البحرين في وثيقة ويكيليكس

بتاريخ 2005-03-01 كشفت وثيقة ويكيليكس أن “ملتقى البحرين” كان شغل السفارة الأميركية الشاغل، وموضوع برقياتها التي تحاول من خلالها قراءة توجهات البحرين والخليج من خلال تصرفات السلطة مع مشرفي الموقع المحتجزين. تضمّنت البرقية أن السفير الأمريكي ناقش هذا الأمر مع أعلى السلطات في ذلك الوقت. https://wikileaks.org/plusd/cables/05MANAMA281_a.html

 

صنع الملتقى الحدث…. إلى ميدان اللؤلؤة

 

في دوار اللؤلؤة أشم رائحة الكرامة عوضا عن رائحة الكراهية

 

اعتقلت السلطات البحرينية علي مجدداً على بعد اتهامه بنشر معلومات كاذبة عام 2010، وفُصل من خطوط طيران الخليج البحرينية، حيث كان يعمل كمتخصص في تكنولوجيا المعلومات، لكن الثورة التي انطلقت من المدونة استعجلت خروجه إلى فضاء الحرية و”ميدان اللؤلؤة”

انطلقت الثورة من مدونة علي عبد الإمام التي استمرت رغم محاربتها وحجبها على مدى عشر سنوات، ونجحت في التخطيط لإطلاق شعلة ثورة 14 فبراير عام 2011، وأصبح “بحرين اون لاين” المكان الوحيد الذي يتم فيه النقاش حول أهمية أو ضرورة القيام بثورة. تم هندسة كل برامج واستراتيجيات الثورة والاتفاق على الوقت والمكان والشعارات والبيانات التأسيسية وآليات التنظيم.

 

“ثورة 14 فبراير كانت اللحظة التي غيّرت حياتي وجعلتني أؤمن بإنسانيتي أكثر، بأن أحترم إنسانيتي حتى ولو كان خصمي خارج الإنسانية، وحشًا لا يُمّتعه شيء أكثر من أن يراك تعذب وتقتل”

 

آمن علي أن الثورة كانت لحظة الاختيار بين أن تكون إنساناً حراً كريماً عزيزاً مواطناً، أو أن تكون غير ذلك….  أن تقف مع الإنسان لأنه إنسان، أو أن تكون ذلك الآخر الذي تكرهه في ذاتك.

بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق سراحه في 23 فبراير قضى علي ما يقرب العامين مختبئا في البحرين بعد أن حكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 15 عاما أمام المحكمة العسكرية في حزيران/يونيو عام 2011 بتهمة التخطيط للانقلاب ضد الحكومة البحرينية. في عزلته القسرية  لم تفارقه ذكريات التعذيب الوحشي ومشهد الناس الذين يُقتلون في الشارع وأهله الذين تعرضوا الى ضغوطات كبيرة. الكثير من الاشخاص أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة، والكثير تدمرت حياتهم وخسروا أعمالهم تجارتهم بسبب وحشية الدولة.

كنت ارى اصدقائي يشيعون يومياً واهلي خائفين وكنت أنا أخاف على أبنائي أن يصيبهم أي شيء في الشارع وكنت اشعر انني ليس لدي أي حول ولا قوة.

 

كثير من الضحايا الذين قضوا كانوا اصدقاءه او تربطه بهم علاقة. لقد أظهرت الدولة عام 2011 بربرية في القتل والقمع والتعذيب لا يمكن ان يتصورها أو يتحملها أي إنسان، خصوصاً وأن شعب البحرين شعب مسالم لم يعش حرب أهلية.  

أُنشئت العديد من المدونات والصفحات المطالبة بالكشف عن مصيره،  وكتبت عنه الكثير من المنظمات غير الحكومية والمدافعين، وكان لهذا أثراً كبيراً عليه لأنه شعر بقيمة العمل الذي يقوم به.

 

 

“شعرت أن ما قمت به، لم يكن خطأً، وأن هناك أناس تؤمن بي على الرغم من كم الهجوم عليّ من قبل الحكومة. لقد آمن المسؤولون في هذه المنظمات غير الحكومية ببراءتي وبعدم صحة الاتهامات التي لفقتها الحكومة ضدي.”

 

مئة كتاب في عزلته الجبرية واخفائه القسري 

عاش سنتين معزولاً عن العالم كلياً، كان كل شيء متوفرًا إلا الحرية. كانت تلك من أقسى الفترات. في عزلته الجبرية واخفائه القسري، قضى وقته في القراءة، كان ينهي الكتاب في يومين. 

 

“تحديت نفسي عبر موقع www.goodreads.com في أن أنهي مائة كتاب في سنة وفعلتها”

 

تعود به الذاكرة إلى مذكرات آن فرانك، مذكرات فتاة شابة المدونة في شكل يوميات حين كانت مختبئة لمدة عامين. شاهد أفلام كثيرة، تعلم استخدام البرامج الجديدة، حاول ألا يفقد صلتة بالتقنية، كنت يحاول بقدر الإمكان أن يستمر في متابعة أخبار الثورة اليومية. أسرته الصغيرة عانت أكثر من أي طرف آخر، وجدت زوجته نفسها أمام مسؤولية منزل مكون من ثلاثة أطفال، ابن وتوأم لم يبلغا العام، يتعرفون عليه من خلال بعض الصور الموجودة في الهواتف.

 

 

 

بعد عامين من العتمة… “أنا في لندن”…. أعانق الشمس في بريطانيا.  

 

في أيار/مايو 2013 تمكن علي من الهرب من مملكة البحرين، وحصل على اللجوء السياسي في بريطانيا. تم اسقاط الجنسية البحرينية عنه، وابنه الذي وُلد في بريطانيا لم يستطع الحصول على أي جنسية.

في 21 مايو 2013 أقام المركز الدنماركي للدراسات السياسية حفل جوائزه السنوية حيث حصل عبد الإمام على جائزة الحرية ومبلغ مالي يبلغ 60 ألف دولار أمريكي.

يعيش الان حرّاً طليقاً، ولا تزال معركته قائمة ضد النظام ويعمل على مساعدة البحرينيين في الحصول على حقوقهم العالمية، يوفّر لهم الدعم التقني والتدريبات وجميع الأدوات التي تحميهم من التنصّت، مما يكلّف الدولة تكاليف أكبر، ويساعد في تجاوز طرق الحجب التي تمارسها الدولة من داخل البحرين، ويفحص كل امكانيه تجسس ممكن ان توجه الى النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. إذا تم تهكير أي حساب انستغرام أو تويتر أو فيسبوك يتواصل علي مباشرة مع هذه الشركات ويتم ارجاع الحساب الى صاحبها.

 

أخترت أن أكون إنساناً 

تجربتي مع الدولة خيرتني بين أمرين إما أن أكون وحش كنتاج وحشيتها أو اختار ان اكون انساناً رغم وحشيتها. وانا اخترت أن أكون إنساناً.


البحرينالعنصر المحدد