فريق سُقيا للإغاثة والتنمية

|

فريق سُقيا للإغاثة والتنمية
مدينة الفلوجة

 

إنما موتي ولادة

 

الفلوجة….. المدينة التي تجولّت فيها رائحة الموت والجوع والقصف بكل حرية.

 

أزمةٌ إنسانية حادة عاشها أهالي مدينة الفلوجة، مجاعة لا يمكن تصورّها وأصوات انفجارات باتت كسقوط كأس ماء، تلملم بقاياه وتمشي، وهواء تستنشق منه رائحة البارود. مدينةٌ كادت أن تكون عصّية على الحياة، قضى فيها مدنيون بسبب الجوع والمرض في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء، وفقدت النساء القدرة على حماية أسرهن، ووجد الرجال طرقاً مسدودة للحصول على قطعة خبز. أكل الأهالي الحشائش لعدم وصول الغذاء إليهم، ورمت بعض النساء بأنفسهن مع أطفالهن من فوق جسر الفلوجة.  

 

من رحم هذه المعاناة سعت الفتاة “كوثر المحمدي” الشاهدة الحيّة على هذه المآسي للبحث عن جرعات أمل تستطيع أن تمنحها في الشوارع والمخيمات. تجول في الزوايا وفي الخيم، وسط صحراء يسكنها الآلاف من النساء والأطفال، بعد أن أصبح عدد الرجال لا يتجاوز ٢٪. تسألهم عن احتياجاتهم، تناشد على مواقع التواصل الاجتماعي، تنقل الصورة الحقيقية لتحصل على كل ما أمكن من وسائل الحياة من مأكل ومشرب وملبس ودواء ومعالجة طبية. 

 

 

فريق سقيا يتصدى لمآسٍ تكاد تكون من نسج الخيال

كوثر لم تعد وحدها، أصبحوا فريقاً من عشرات الشباب والشابات. فقد تبلورت فكرة إنشاء المؤسسة على يد شخص واحد في البداية، ثم اجتمعت جهود مجموعة من الشباب والشابات الفاعلين للمساهمة في العديد من الأنشطة والفاعليات والمشاريع، التي تهدف إلى التخفيف من الأثار السلبية التي أنتجتها تلك السنوات، وإلى العمل على تحقيق نجاحات تعزز من السلام والأمن.

 

 

وهكذا إنطلق “فريق سقيا” ليواجه مآسٍ تكاد تكون من نسج الخيال مرت بها المدينة. أبٌ يُطعم أفراد أسرته سم فئران قبل أن يُلحق نفسه بهم منتحرًا. أمٌّ تجوب الطرقات حاملةً طفلها الرضيع وهي تنادي “خذوه، فقط أطعموه، ولا يهمّني إن متُ أنا”. أمً في العامرية داخل خيمة تحمل ابنتها الرضيعة المريضة وتصرخ “خذوها هي ميتة…. لا أملك ما يسدّ جوعها أو ما يعينني على علاجها”. امرأة تبيع ما تستلمه من وجبة حبوب غذائية لتوفّر مبلغاً تشتري به العلاج الكيمياوي لزوجها. نساءٌ في محافظة الأنبار وخاصة في مناطق النزاع يتعرّضن للعنف بكافة أشكاله. في البوعكاش ناحية الصقلاوية أكثر من ألف امرأة فقدت المعيل لأسرتها بعد أن تعرّض الرجال للاختفاء القسري. وكذلك في مدينة القائم، مئات من النساء نزحن الى خيمٍ لا تقي برداً ولا حراً ولا تستر جوعاً. آلاف من الأطفال تشرّدوا قسراً أو حوصروا بين النيران.

خدمات منقذة للحياة

 

 

أمام هذه الويلات، لم يكن لدى فريق سقيا ترف الاختيار. كانوا أمام تحدٍ أساسيٍ وحياتي: توفير الخدمات المنقذة للحياة مثل المياه والغذاء والطبابة والمأوى للأطفال وأسرهم، والاهتمام بالتعليم.

“يؤمن فريقنا بضرورة خلق بيئة آمنة وحلقة تواصل بين المجتمع وأصحاب القرار في سبيل تحقيق مجتمع آمن يدعم السلم المجتمعي والأمن والاستقرار وتحقيق العدالة في الحقوق.” 

عملوا بجهد نوعي ويومي وفي جعبتهم عشرات قصص نجاح. سعوا لتوفير الاحتياجات الضرورية من غذاء وملبس وقرطاسية وعلاج، بما في ذلك حليب الأطفال.

 

 

خلقوا مساحة آمنة للأطفال ونظموا العديد من الأنشطة الترفيهية والتعليمية داخل المخيمات التي لم تعرف إلا لون تربة الصحاري. وزّعوا الالعاب وملابس العيد لأطفال لم يعرفوا يوماً حدوداً غير حدود الخيمة. نظّموا حلقات دراسية، وتطوّعوا لتعليم الأطفال.

 

أمل الحياة في أيادي فريق سقيا 

خلال سنة 2019-2020 وزع فريق سقيا في مخيمات النازحين أكثر من 2000 سلة غذائية و8000 علبة حليب لأطفال المخيمات وملابس لأكثر من 1000طالب وطالبة وكراسٍ متحركة للأشخاص ذوي الإعاقة.

أمّن أعضاء الفريق للنساء التواصل مع الأطباء المختصين ووفروا العلاجات الطبية من الصيدليات خارج المخيم. اهتموا بمرضى السرطان وتوفير المعالجة لهم وايصالهم إلى المراكز الإشعاعية وإمدادهم بالجرعات الكيماوية.

 

أمّنوا المياه الصالحة للشرب للأسر الساكنة في المناطق الصحراوية، وتكفلوا بمستحقات الإيجار لبيوت ما يزيد عن خمسين من العوائل الفقيرة والأيتام داخل المدينة.

وفرّوا مئة ماكينة خياطة للنساء من أجل مساعدتهن على الانتاج لهن وكذلك مواد غذائية لفتح دكان صغير يؤمّن دخلاً للأيتام، كما أسست النساء حوالي خمسة دكاكين.

 

 

ساعدوا عدداً كبيراً من النساء في الوصول للخدمات القانونية لإنهاء إجراءاتهم من رواتب رعاية اجتماعية وغيرها، وقدموا بشكل مستمر جلسات توعية قانونية بمعدل جلستين كل شهر على مدى ثلاث سنوات وما زالوا مستمرين في ذلك حتى الآن. تعاونوا بهذا الخصوص مع العديد من المنظمات الوطنية والدولية.

 

 

ينظّم الفريق “تبريكة العيد” وهي مبادرات ترفيهية للأطفال الأيتام والأطفال ذوي الدخل المحدود في فترة العيد يشارك فيها ما بين 150 إلى 300 طفلاً.

الأطفال الذين لم يعرفوا وجه العيد، فريق سقيا أحضر لهم “العيد”. على مدى سنتين نظم الفريق “أشياءات الطفولة” وهي مدينة ملاهي متنقلة في أكثر الأحياء فقراً وضمن مناطق أولاد المختفين قسراً.

منذ سنتين، يقوم الفريق بوضع وجبات الافطار طيلة أيام رمضان في برادات على منافذ ومخارج المدن في محافظة الأنبار.

 

 

خلال أزمة كورونا كان للفريق دورٌ في توفير اجهزة أنابيب الاوكسجين للمصابين وكراسٍ متحركة لهم وأطراف اصطناعية لذوي الإعاقة. نسق الفريق مع دائرة صحة المحافظة لتوفير طبيبات نسائيات في المناطق التي تفتقد وجودهن، كما قام بتوفير اجهزة الفحص الطبية.

 

أصبح لسينما الحوار حصة في الفلوجة من خلال عرض أفلام سينمائية قصيرة تتناول قضايا اجتماعية تحاكي الواقع وتبني توعية مجتمعية، وتخلق مساحة ترفيهية للأطفال.

نظّم الفريق “كرنفالات” يشارك فيها شباب وشابات ويعرضون أعمالهم اليدوية، التي تحولّت إلى أسواق اقتصادية تدّر عليهم دخلاً مادياً. ساعدت هذه المبادرات داخل محافظة الانبار على تعزيز أواصر التماسك المجتمعي وتنشيط الحركة الثقافية، وتحولّت هذه الأماكن من ساحات لأشلاء القتلى الى ساحات لبيع الورود والرسم ومن أرضٍ مهجورة يطاردها شبح الموت والخراب إلى ساحات ألوان مليئة بشعارات الحياة والرسم وضجيج الناس وأصوات وضحكات الأطفال، وباتت فرصاً للتشبيك والتواصل وبناء فرص عمل.

 

 

 

“إبرة وقلم” 

 

أسس فريق سقيا مركز “إبرة وقلم” وهو مركز خدمة مجتمعية يعمل على دعم الأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود والأرامل والأيتام ومرضى السرطان وكفالة الأطفال فاقدي المعيل وبعض الأيتام. يوفّر المركز الخدمات الإغاثية في قضاء الفلوجة بشكل خاص ومحافظة الانبار بشكل عام. يقدّم المركز خدمات قانونية بشكل مجاني يومياً وذلك بإشراف مجموعة من المتطوعين من خلال الإحالة إلى محامين/ات ومنظمات مختصة في الشؤون القانونية. يوفّر الفريق جلسات الإرشاد والدعم النفسي للفتيات والنساء داخل المركز أو من خلال الإحالة إلى مختصين. يعقد الفريق عدة ورشات وجلسات للفتيات والنساء والشباب تهدف إلى تعريفهم بحقوقهم والقوانين والقرارات التي تعنيهم. يساعد في بناء قدراتهم من خلال جلسات التنمية والتمكين (لإدارة المشاريع الصغيرة، الطباعة على الحاسبة، ريادة الإعمال الصغيرة، مما ساعدهم على إيجاد فرص عمل).

 

 

 

طبيب com

أصبح لدى فري سقيا كوادر صحية تهتم بالحالات الطبية (طبيب com). يستقبل هذا الفريق الحالات الطبية  من  الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل ويسعى إلى إيصالها إلى المستشفيات الأهلية والعامة لإجراء الفحوصات الطبية والعمليات الجراحية اللازمة. ينسق الفريق مع مركز الأنبار للأورام ومركز الأطراف الصناعية والصيدليات والمختبرات الطبية.

 

 

 

شهيد الإنسانية

 

خلال أزمة كورونا مرّ الفريق بعدة ضغوطات ومصاعب لتوفير جرعة حياة لمن يحتاج اوكسجين ومستلزمات طبية. فقد فريق سقيا عموداً من أعمدة الفريق (محمد) الذي لقب ب “شهيد الإنسانية”، حين كان يستجيب لنداء التبرع لإحضار البلازما من بغداد. وأثناء وجوده في المستشفى سمع نداءً لمريض يحتاج لزمرة دم بنفس فصيلته، تبرع بدمه فورا دون أن يتذكر أنه لم يمر عليه أسبوع على آخر تبرع مما أفقده حياته، كانت آخر عبارة “إنما موتي ولادة” في دعوة للمتطوعين أن يكملوا مسيرته لإسناد من يناشدهم.

 

سقيا …  ضرورة حياة.

لا يمكن للفلوجة أن تنسى “سقيا”. لقد نجحت هذه الإرادة في إنقاذ حياة الكثيرين وأعطت أملاً للاستمرار بحياة جف فيها الأمل. لقد ألهم فريق سقيا العديد من المتطوعين ليحذوا حذوهم ويتشابكوا في سبيل إنقاذ ما عجزت عنه السياسات الحكومية. سقيا اليوم هي منارة إنسانية أبدعت في نسج مقومات الحياة، آوت السكان من الخوف وجنبتهم الجوع وعالجتهم من المرض والتشرد. 

سقيا هي ضرورة حياة.


العراقالعنصر المحدد