محمد المسقطي – البحرين

|

Mohammed Al-Maskati

 

 

لقد أنقذت حياتي…

لم يكن محمد المسقطي، “المدافع عن حقوق الإنسان” يدرك أنه سيساهم في إطلاق سراح شخص من السجن بعد أن تم توقيفه وسجنه. تعود به ذاكرته حين تلقى اتصالاً من محامي هذا الشخص، ليطلب منه إغلاق كل حسابات موكّله على منصات التواصل الاجتماعي، فيغلقها محمد بسرعة قياسية. بعد سنة، يتلقى محمد اتصالاً من الشخص الموقوف نفسه يخبره “صدر الحكم القضائي وأُعلنت براءتي…  لم يتمكنوا من الوصول إلى أيٍ من حساباتي… لم يحصلوا على أية معلومة رقمية ……. “لقد أنقذت حياتي you saved me“.

 

تلهم هذه القصة محمد في وقتٍ يتصدّر الأمن الرقمي هاجس المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، في ظل اختراقات تطال الحسابات الالكترونية بهدف الوصول الى معلومات وبيانات حساسة يمتلكونها في أجهزة الكومبيوتر والهواتف الخاصة بهم، ويتعرضون فيها إلى تهديد مباشر سواء من حكومات وأجهزة أمنية أو جماعات خارجة عن القانون. 

 

 

تهمته: قيادة “منظمة غير مسجلة”

 

اكتسب محمد وعيه القانوني في عمر الخامسة عشر عندما بدأ في لجنة الرصد والشباب، وترأس لجنة الإعلام في عام 2005 ، وبعدها المسؤول عن الموقع الالكتروني في مركز البحرين لحقوق الإنسان قبل أن يتم إغلاقه بثلاث سنوات. أسس محمد مع مجموعة المدافعين “جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان” (BYSHR)، وترأسها لمدة 9 سنوات حتى عام 2014. ضمّت الجمعية مجموعة من الأعضاء واللجان الشعبية، الذين استخدموا استراتيجيات مختلفة لنشر الوعي في مختلف المناطق في البحرين. 

بعدها تم استدعاؤه إلى المحكمة عام 2007 بتهمة قيادة “منظمة غير مسجلة”، والتي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة ستة أشهر، والتي شهدت حملات أمنية مركزّة خاصة عامي 2009 و 2010.

 

يرى محمد أن أبرز التحديات التي تواجه المدافعين والمدافعات تكمن في القوانين الموجودة في المنطقة والتي لا تتناسب ولا تتوافق مع معايير حقوق الإنسان، ويؤمن أن تغيير هذه القوانين يحتاج إلى نضال طويل ومستمر في ظل آليات تغيير صعبة وغير واضحة بل إن بعضها يعدّ مستحيلاً. ورغم متانة النصوص القانونية التي تتعلق بحماية البيانات الشخصية والحقوق الفردية إلا أن تطبيقها منعدم على أرض الواقع. وفي ظل غياب آليات إقليمية عربية لتطبيق حقوق الإنسان، على غرار منظمة الشعوب الأفريقية أو المفوضية الاوروبية لحقوق الانسان، يضطر المدافعون الى ان يستخدموا آليات إقليمية في دول مختلفة او آليات دولية لا تتضمن آليات محاسبة سارية المفعول في دولهم. وفي ظل هذه التحديات يحتاج المدافعون عن حقوق الإنسان إلى آليات في العالم الرقمي، تساعدهم على تطوير استراتيجيات مختلفة تعتمد على الوقاية من المخاطر وحماية الخصوصية.

 

الأمن الرقمي… نهج حياة 

 

بدأ التحول النوعي في عمله مع تحوّل الناس الى التكنولوجيا عموماً والى منصات التواصل الاجتماعي خصوصاً. تابع كيف يواجه المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان مخاطر جسيمة عند سعيهم لتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان بالصوت والصورة، وإيصال صوتهم إلى  جميع أرجاء العالم.  جهوده أضحت نهج حياة وليست مجرد برامج تسعى إلى حماية الخصوصية وتوفير التدريب على الأمن الرقمي للمدافعين عن حقوق الإنسان والفئات الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

لا يمكن اليوم الحديث عن الأمن والحماية على الانترنت دون ذكر اسم “محمد المسقطي”. يشغل محمد منصب منسق الحماية الرقمية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في منظمة فرونت لاين ديفندرز منذ 31 ديسمبر/كانون الثاني 2014 وحتى تاريخه، وقد بات اليوم في صدارة المدافعين الرقميين.

 

الاعتقال والمراقبة والضغوط ، قد تكون نتيجة لثغرات في المنظومة الرقمية. تستطيع حكومات وأجهزة أمنية أن تستغلها لتكوين مضبطة اتهام للصحفيين والناشطين والترهيب. الحل بتعزيز الأمن الرقمي لمنع اختراق المعلومات الشخصية وحماية هوية المصادر وتأمين الأجهزة الالكترونية من برامج التجسس.

 

دخل محمد مجال الأمن الرقمي من بابه العريض وبات مرجعاً أساسياً في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في العمل الصحافي والحقوقي في حماية خصوصية عمل الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وفي حمايتهم من الثغرات التي قد تمثل تهديداً واضحاً، من بينها: اختراق المعلومات الشخصية واستخدامها في حملات التشويه، إغلاق صفحات التواصل الاجتماعي أو التحكم بها، انتحال هوية شخص معروف بين النشطاء لتشويه شخصيته وسمعته أمام الرأي العام، وحتى التواصل مع جهات دولية بإسمه، زرع ملفات تجسس على أجهزة الضحية سواء كانت جهاز كمبيوتر أو هاتف نقال. 

يعرف محمد أهمية أمن المعلومة ومخاطر عدم السلامة المعلوماتية، ويدرك أن المواد المتوفرة  تحتاج الى أدوات بسيطة تصل إلى كل إنسان ببساطة ودون تعقيدات.

صمّم العديد من من المواد التعليمية الموجهة إلى المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان باللغة العربية  البسيطة المباشرة والسهلة دون تعقيدات او تفصيل. منذ عام 2012 وحتى اليوم، وصل محمد إلى ستة آلاف جمعية  في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدم لهم استشارات السلامة الرقمية من بناء سياسات الخصوصية، وتفعيل اتصالات آمنة من البريد الإلكتروني، إلى حماية برمجيات الدردشة والمكالمات الآمنة، وسلامة الجهاز المحمول. ساعد محمد في تخزين البيانات بطريقة آمنة، وفي الكشف عن الثغرات والبرمجيات الخبيثة. كما ساعد العديد من الأفراد على استرجاع حساباتهم وعمل مع مدافعين في مجالات متعددة منها البيئة وقضايا النساء وحقوق العمال وبعض النقابات والصحفيين.

 

السلامة الرقمية ترتكز إلى تغيير سلوك الأفراد 

 

خبرة محمد جعلته يدرك أن تقييم المخاطر في العمل الصحافي والحقوقي لا يرتبط بالأمن الرقمي فقط، بل يشمل ذلك الأمن الشخصي، والجسدي والتنظيمي، لذلك يتطلب الأمن الرقمي عنصرين اساسيين هما التخطيط المسبق والتقييم المنتظم للإحتياجات. وتكريساً لحرصه على زيادة وتفعيل ثقافة الحماية الأمنية أطلق  شعاره We keep watch you don’t have to، وأسس موقع الكتروني  2018 موقع Digital-protection.tech، وهو موقع إلكتروني “لتقديم المشورة بشأن حماية الأفراد والمؤسسات في العالم الرقمي والإنترنت”، كما أسس فريق الاستجابة السريعة المتاح على مدار 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، للمساعدة في حل الهجمات الرقمية فور حدوثها في الوقت الفعلي.

 

لا يحتاج نشطاء حقوق الإنسان في واحدة من أكثر المناطق اضطهاداً في العالم الى البحث عن تهديدات رقمية أو آليات حماية ليكونوا قادرين على تجنب المراقبة الحكومية والانتقام، يمكنهم العودة إلى موقع متخصص يتضمن مواد  التدريب باللغة العربية بأسلوب بسيط وعملي وتطبيقي.

 

بطل من ابطال حقوق الإنسان

 

 

 

اختارته منظمة Access Now الحقوقية عام ٢٠١٩ بطلاً من ابطال حقوق الإنسان ومنحته جائزة أبطال حقوق الإنسان وذلك تكريماً لجهوده في الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال توفير التدريب الأمني الرقمي. وقدمت له مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت الجائزة أثناء اجتماع رايتس كون في تونس، الذي أقيم بين 11-14 حزيران/يونيو 2019.

 

 

 

حتى اللحظة لا يعرف محمد من رشحّه الى هذه الجائزة ولكن الجميع يدرك حجم الأثر الإيجابي الذي صنعه محمد في حياة كل من التقاهم وقدّم لهم التدريب الرقمي وحتى من لم يعرفهم ولكنهم يتابعونه لسلامتهم الرقمية.

 

يرى محمد أن هناك تأخراً في استخدام أدوات الأمن الرقمي في المنطقة ولا تزال هناك صعوبة في أن يبقى الناشطون على اطلاع مستمر في ما يتعلق بتحديثات التطبيقات المتخصصة بالأمن الرقمي، لذلك يسعى في المدى القريب إلى إعداد مائة وعشرين قائمة Personal security checklist 120  تتضمن كتيبات ونصائح باللغة العربية بشكل مبسط مع تفاصيل تدريبية مبسطّة وتعريفات وتفاصيل يحتاجها كل انسان. 

يتمنى محمد “أن لا نرى أحداً يموت أو يُعتقل أو يُضطهد بسبب معلومة رقمية سواء أخذت بقوة أو تسرّبت”.


البحرينالعنصر المحدد