نزيهة سعيد – البحرين

|

نزيهة سعيد

البحرين

نزيهة سعيد، بحرينية، تدرّس في الجامعة العليا للصحافة في باريس ومدافعة عن حقوق الإنسان. تعمل كصحافية مع عدد من وسائل الإعلام في مجال الصحافة المكتوبة والتلفزيون والراديو، من بينها وسائل إعلام دولية كإذاعة مونت كارلو الدولية على سبيل المثال لا الحصر. على مدى السنوات العشر الماضية تخصّصت في مجال حرية التعبير وحرية الصحافة وبشكلٍ خاص مجال الصحافة الاستقصائية وسلامة الصحفيين وفي التدريب على تغطية قضايا الجندر، خاصة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، من خلال كتابة المقالات والتعاون مع مختلف وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

الصحافة الموضوعية… دون خوف أو محاباة

لم تشهد بداياتها المهنية تحديات معينة باستثناء إثبات ذاتها وإيجاد مكانة علمية وعملية لها في مجال الصحافة، ولكن بعد 2011 ومع بداية المظاهرات من اجل الديمقراطية التي خرجت في البحرين، واجهت نزيهة تحديات الصحافة المستقلة والمهنية الخالية من التأثير السياسي. وفي تقييمها لحالة حرية الصحافة تجدها في الواقع تنقسم إلى ثلاث: إما صحافة السلطة وهي الناطق الرسمي في كل ما يريده النظام، أو إعلام المعارضة الذي يضخّم الأمور دون التحقق من الحقائق، وإما الصحافة التي تغطي الوقائع بموضوعية.

 

آمنت نزيهة بالصحافة الموضوعية المحايدة والصادقة التي تقدّم معلومات وأنباء وتحليلات علمية مؤكدة ومدعومة بالوقائع دون خوف أو محاباة، في بيئة تعزّز الحريات دون أي رقابة أو تحريف أو قيود من السلطات وتحمي الديمقراطية والمواطنين على حد سواء.

شكلت هذه القناعات تحدٍ أساسي لنزيهة لأنها كانت تدرك الثمن الذي ستدفعه في البحرين في ظل قمع الحكومة البحرينية لأي مصدر للمعلومات لا يتفق مع روايتها الرسمية للأحداث.

فهمت ان صوتي كان السبب…. لذلك قررت أنني لن أسكت

في 2011، عملت مع وكالات أنباء عالمية لتغطية المظاهرات المطالبة بالديمقراطية. استدعتها السلطات في مايو/أيار 2011، وأثناء التحقيق تعرضت للتعذيب بتهمة المشاركة في المظاهرات والكذب في التقارير الصحفية التي قدمتها. 

تعرضّت للصفع والركل واللكم، وقامت إحدى الضابطات بوضع حذاء في فمها وهي تقول لها “أنت لا تساوي أكثر من هذا الحذاء.” وضعت عصابة على عين نزيهة ثم واصلت الضابطات ضربها باستخدام أنبوب بلاستيكي. بعد فترة انتظار، أخذت نزيهة للتحقيق مجدداً، حيث أمعنت الضابطات في إهانتها وذلك بأمرها أن تقلد أصوات حيوانات، وقمن بمواصلة ضربها. قامت إحداهن بوضع زجاجة بالقرب من فمها وطلبت منها أن تشربه وهي تخبرها أنها تحوي بولاً. أبعدت نزيهة الزجاجة ولكن قامت الضابطة بتفريغ محتواها على وجهها، الذي أخذ يلتهب.

 

بعد الإفراج عنها، تقدمّت نزيهة بشكوى ضد الضابطات اللواتي قمن بالتحقيق معها بتهمة التعذيب وسوء المعاملة، ولكن تمت محاكمة ضابطة واحدة فقط من المسؤولات عن تعذيبها وإهانتها، ثم صدر حكم القضاء بالبراءة بحقها. 

 

 

تزايدت حدة التضييقات حيث سُحب منها ترخيص مزاولة العمل ومنعت من العمل والسفر في ٢٠١٦. بعد رفع منع السفر وفي ظل هذه التحديات أيقنت نزيهة أن هذا هو الوقت للرحيل.

“عندما كنت في الاعتقال لم أكن أتصور أن القصص التي نسمعها كصحفيين ونغطيها كانت تحدث بهذه البشاعة. داخل مراكز الشرطة كان هنالك تعذيب جسدي ونفسي: تعصيب العينين، الضرب على مختلف انحاء الجسد، الصعق الكهربائي … كما كانت هناك العديد من المواقف المهينة التي تعمدوا فيها اهانتي. قضيت ساعات طويلة جدا حسبت انها الدهر بعدها تم اطلاق سراحي.

 لم اقم بأي شيء يستدعي الاعتقال سوى أنني غطيت التظاهرات التي طالبت بالحريات والديمقراطية وفهمت ان صوتي كان هو السبب … لذلك قررت أن صوتي لن يسكت”

https://www.youtube.com/watch?v=p9NqecHTc5Y 

 

عدوى الانتهاكات

لعلّ أكبر تحدٍ يواجهه المدافعون هو عدوى القمع والتضييق، فعندما يُقر قانون سحب الجنسية في دولة ما تسارع الدول الأخرى لتحذو حذوها وهذا يهدّد المعارضين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فيتم سحب الجنسيات منهم او منعهم من السفر وهذا انتهاك لأبسط حقوقهم. تعي نزيهة الخوف الذي يشعر به العديد من زملائها والذي دفعهم الى ترك العمل الصحفي بعد تعرضّهم للاعتقال والتعذيب أو حتى الإبعاد، إذ إنه من حق كل شخص تقدير ظروفه وتحديد الخيار الأنسب له حتى  لو كان ذلك الخيار هو الابتعاد عن عمل المدافعة والعمل الصحافي.

 

 

المنفى الاختياري.. البداية الجديدة 

شكّل الاعتقال نقطة فارقة في حياتي المهنية والشخصية…. 

“انا ما قبل الاعتقال لست انا ما بعد الاعتقال”، إذ تعرّفت على الوجه الآخر لشكل التعذيب الذي كنت أكتب عنه في شهادات المعتقلين عن التعذيب. وجودي داخل المعتقل ومركز الشرطة منحني رؤية واقع شهادات تعذيب المعتقلين بمنظور مختلف”.

 

انتقلت نزيهة للعيش في فرنسا وعادت إلى العمل بعد عدة أشهر من الاعتقال محاطة بكمٍ هائلٍ من الدعم النفسي والمعنوي والمجتمعي من الأهل والأصدقاء، الأمر الذي أعطاها قوة. 

بدأ تخصصها الصحفي يتركّز في مجال حقوق الإنسان والحريات السياسية و بشكل خاص حرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق المرأة. أصدرت العديد من التقارير السياسية والحقوقية، وامتهنت التدريب في مجال سلامة الصحفيين والصحافة الاستقصائية وحقوق الصحفيين وسلامتهم وايضاً تغطية قضايا الجندر.

 

الدنيا ليست وردية 

رغم أن نزيهة لا تخاف اليوم أن يتم اقتحام منزلها أو اعتقالها لأنها كتبت مقالاً او تغريدة على تويتر، إلا أنها تواجه تحديات اخرى في اللغة والثقافة المختلفة وأحيانا العنصرية المجتمعية، كونها ليست مواطنة لأي بلد في الاتحاد الأوروبي. كانت تتمنى لو بقيت في بلدها بين اهلها واصدقائها. تتصدى لتحديات ومعوّقات جندريّة تواجهها النساء في المنطقة خاصة في مجال العمل الإعلامي والتي تتضاعف أحياناً أكثر من تلك التي يواجهها الرجال  بسبب معتقدات اجتماعية وعادات متوارثة.

 

  

اكثر الاشخاص الذين أثروا بي وأعطوني قوة كانوا نساء سواء عرفتهم في حياتي الشخصية أو المهنية. تسلحّت بالقوة والثبات من زوجات المعتقلين الذين هم وراء القضبان، وكان لهم الدور الأبرز في مسيرتي الصحفية التي امتدت أكثر من 20 سنة.

نحن لدينا قوة كبيرة واتمنى للنساء ان يتنبّهن الى القوة التي بداخلهن وأن يوظفنها في هذا الجانب.

 

التسلّح بالأمل 

تستمد نزيهة الإلهام من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين ثبتوا على مبادئهم الأساسية في الدفاع عن حقوق الإنسان رغم كل محاولات التضييق والتعذيب التي تعرضوا لها. شكّل عملها مع عوائل المعتقلين الذين كانت على اتصال مباشر معهم أثناء عملها عاملاً أساسياً في الثبات والقوة. وجدتهم مؤمنين بالقضية ويملكون قوة هائلة لدعم أبنائهم وأزواجهم الصحفيين القابعين في السجون لأنهم طالبوا بتغيير سياسي وديمقراطية أفضل في بلدهم.

 

لم أرد يوما أن أتولى أي منصب في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية،  انتميت إلى  السلطة الرابعة وهي سلطة الرقابة والمحاسبة.

 

تتسلح نزيهة بالأمل، الذي يقودها دائماً الى التغيير وتؤمن أن الأمور لن تبقى على حالها. لقد أثبت التاريخ أن السلطات لا يمكن أن تدوم. 

 

نحن نختار ماذا نريد وما هو الأثر الذي نريد أن نتركه في الحياة. انا اخترت أن أكون الى جانب حقوق الناس والى جانب قضاياهم وأسعى كي أشكّل علامة فارقة ولو بسيطة جداً في حياتهم، إذا استطعت أن أحميهم أو أرفع صوتهم.

 

تتمسك نزيهة سعيد بمبادئها وتؤمن أن كل الناس أحرار ولهم كل الحق في قول كلمتهم وفي التعبير عن أنفسهم. يزيد إيمانها بأن حرية الصحافة هي عمود مهم وأساسي من أعمدة الديمقراطية التي تتمنى أن تسود كل العالم.

 


البحرينالعنصر المحدد